-
مصر ضيف شرف معرض كراكاس الدولي للكتاب ..هوية حضارية ورسالة ثقافية متعددة الأبعاد
القاهرة في 7 يوليو/أ ش أ/ كتب : حمدي المليجي
تحل مصر ضيف شرف معرض كراكاس الدولي للكتاب في فعاليات دورته الحادية والعشرين والتي تستمر حتى الثالث عشر من يوليو الجاري تزامنا مع احتفاء القاهرة وفنزويلا بمرور 75 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي تعود إلى نوفمبر 1950 .
وحرص الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو ، خلال الافتتاح الرسمي للمعرض على زيارة الجناح المصري باعتباره وجهته الأولى في تفقد أروقة المعرض، تقديرًا لمكانة مصر الثقافية والحضارية، ورافقه وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو، في إشارة قوية إلى البُعدين الثقافي والدبلوماسي لهذه المشاركة .
وتعد مشاركة الرئيس الفنزويلي شخصيا في الافتتاح، واصطحابه لوزير الثقافة المصري، من الرسائل ذات الدلالات الثرية، ما يعكس اعتبار هذه الفعالية حدثًا سياسيًا ثقافيًا مزدوجا. ويعكس الحضور مستوى التنسيق العميق بين الجهات الثقافية والدبلوماسية في البلدين.
وتُعد مصر أول دولة عربية تشارك "ضيف شرف" في تاريخ هذا المعرض، مما يرسّخ مكانتها في الذاكرة الثقافية اللاتينية، ويمنحها امتيازًا يمكن البناء عليه مستقبلًا عبر التبادل الثقافي.
لقاء وزيري الثقافة المصري والفنزويلي.. نحو آفاق أوسع للتعاون الثقافي
وعُقد لقاء رسمي رفيع المستوى بين وزير الثقافة المصري، الدكتور أحمد هنو، ونظيره الفنزويلي حيث شهد اللقاء السفير المصري وعدد من القيادات التنفيذية من الجانبين، مما عكس الأهمية المتبادلة لتعزيز العلاقات الثنائية.
وتمركزت المشاورات حول سبل تطوير التعاون الثقافي بين مصر وفنزويلا، وذلك في إطار الجسر الثقافي المتين الذي يربط بين البلدين الصديقين ، حيث ينطلق هذا الحوار بقوة من كون مصر ضيف شرف معرض كراكاس الدولي للكتاب، مما يمثل فرصة استثنائية لتعميق الروابط.
ويهدف هذا اللقاء إلى تفعيل برامج التبادل الثقافي والمعرفي، وفتح آفاق جديدة للتعاون في مجالات الفنون، الآداب، الترجمة، وحفظ التراث، بما يثري المشهد الثقافي في كلا البلدين ويعزز التفاهم الحضاري المشترك.
75 عامًا من العلاقات المصرية الفنزويلية.. من الدبلوماسية إلى الثقافة
واحتفلت هذه الدورة من المعرض بمرور 75 عامًا على العلاقات الرسمية بين القاهرة وكاراكاس، والتي تُعد من أقدم العلاقات العربية-اللاتينية.
ويؤكد هذا الاحتفاء أهمية الدبلوماسية الثقافية بوصفها أداة مكمّلة للدبلوماسية السياسية، لتبني جسورًا من التفاهم والتقارب بين الشعوب، بينما تعد العلاقات المصرية-الفنزويلية عميقة ومتجذرة؛ ولهذا فإن استضافة مصر ضيف شرف تُعد بداية لمرحلة جديدة من التفاعل الثقافي والحضاري بين البلدين.
وتعد فنزويلا من أوائل دول أمريكا اللاتينية التي دعمت القضايا العربية، لا سيما في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة حيث يمثل هذا الدعم التاريخي قاعدة صلبة يمكن البناء عليها لتعزيز الروابط الثقافية والعلمية، ما يجعل الثقافة جسرًا مناسبًا لاستعادة هذا الإرث الثري من خلال النشر والترجمة والبحث العلمي المشترك.
ويؤكد تصميم شعار المعرض هذا العام هذا التلاقي الثقافي بين مصر وفنزويلا، حيث جاء على هيئة هرم مصري تتوسطه الشمس المصرية، مع زخارف وألوان لاتينية مميزة ، فالشعار، بتصميمه المبتكر هو تجسيد بصري للاندماج الثقافي العميق بين الحضارتين بالإضافة إلى ذلك، صُمم شعار خاص للاحتفاء بمرور خمسة وسبعين عامًا على العلاقات المصرية الفنزويلية.
وترسيخا لهذه المناسبة، نظمت السفارة المصرية حفلًا للاحتفاء بمشاركة القاهرة ضيف شرف، وبالتزامن مع اليوم الوطني. وتكريم عدد الشخصيات المصرية وقيادات وزارة الثقافة. وقد حضر هذا الحفل وزير الخارجية الفنزويلي، مما يؤكد أهمية هذا الحدث في تعزيز الروابط الثنائية، فيما تؤكد هذه الفعاليات الطموح المشترك لتنمية هذه العلاقات نحو آفاق أوسع من التعاون الثقافي والمعرفي في السنوات القادمة.
الجناح المصري... هوية حضارية ورسالة ثقافية متعددة الأبعاد
مثَّل الجناح المصري في المعرض مرآةً نابضةً لهوية مصر الحضارية الأصيلة، وذلك من خلال تصميمه البصري الذي جمع بين الرمزية المصرية القديمة وعمقها التاريخي، والبساطة المعاصرة التي تعكس حيوية الثقافة المصرية الحديثة.
وضم الجناح مجموعة غنية من الإصدارات لمؤسسات ثقافية عريقة، شملت: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ودار الكتب والوثائق القومية، والمركز القومي للترجمة، والمجلس الأعلى للثقافة. وقد تنوعت هذه الإصدارات لتشمل ألوانًا عديدة من الآداب المصرية والعربية الأصيلة، والفنون المختلفة، إضافة إلى دراسات فكرية متعمقة لكوكبة من رموز الفكر والإبداع المصريين، والتي قدمت باللغتين العربية والإسبانية لضمان وصولها لأوسع شريحة من الجمهور اللاتيني الشغوف بالثقافة المصرية والعربية.
ولم يقتصر العرض على المطبوعات، بل امتد ليشمل معروضات بديعة من صندوق التنمية الثقافية، تضمنت فنون النسيج المصري اليدوي ، ومجموعة واسعة من الحرف اليدوية المصرية التقليدية بأنواعها المختلفة، التي تجسد الإبداع والمهارة المتوارثة عبر الأجيال.
ولم يكتف هذا الحضور بالشكل الجمالي فحسب، بل قدَّم نموذجًا تفاعليًا حيًا؛ إذ عكست هذه المعروضات "التراث المُعاش" الذي يشكل جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية والثقافة المصرية الأصيلة.
ويعتبر الجمع بين الكنوز المعرفية المتمثلة في الكتاب، والفنون المتجسدة في الحرف التراثية، بوضوح عن عمق الهوية المصرية، رابطًا بين جذورها الضاربة في القدم وحيويتها المعاصرة، مقدمًا بذلك صورة شاملة ومتكاملة للحضارة المصرية الخالدة.
برنامج ثقافي... مصر تحاور الثقافة اللاتينية
وشهد المعرض العديد من المحاضرات والندوات الفكرية المتخصصة، قدمها نخبة من الأساتذة والمفكرين المصريين البارزين، مما أثرى الحراك الثقافي للمعرض.
ففي محاضرته ، تناول الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية ، المكتبة مستعرضًا دورها الإقليمي والدولي ومكانتها الثقافية المرموقة. كما أبرز مشاريعها العلمية والثقافية الطموحة، وما يمكن أن تقدمه هذه المنارة المعرفية للعالم أجمع من إسهامات قيمة.
بينما قدم الدكتور أسامة طلعت رئيس دار الكتب والوثائق المصرية ندوة شيقة حول الحضارة المصرية عبر العصور، مركزًا على الحضارتين الإسلامية والقبطية. سلط الضوء على اهتمام مصر البالغ بصون إرثها الثقافي العريق، ودور هذا الإرث في صياغة هوية مصر الحالية، متناولاً كذلك رحلة العائلة المقدسة وأهميتها التاريخية والدينية.
فيما استعرض الإعلامي سيد جبيل تجربته في الإعلام المحايد والموضوعي، الذي لا يتبنى أجندة معينة ولا يعتمد على تمويل يفرض عليه قيودًا، مما يحرره من ضغوط أصحاب المال والجهات الرسمية. تركز هذه التجربة على محاولة رصد وفهم مواقف الدول من القضايا المختلفة، وتبسيط القضايا الجيوسياسية والاقتصادية المعقدة بلغة واضحة ومناسبة للجميع، دون ابتذال يخل بالعمق.
أما المعماري حمدي السطوحي رئيس صندوق التنمية الثقافية، فقدم قراءة ثقافية متعمقة في العمارة التقليدية المصرية، محللاً دلالاتها الحضارية وقيمها الجمالية التي تتسق مع البيئة والإنسان. وأكد أن العمارة التقليدية تحمل في طياتها المعنى الحقيقي لكلمة "سكن"، حيث تجسد الانسجام بين الإنسان ومحيطه.
كما أُقيمت قراءة نقدية وشعرية لأعمال الكاتب والشاعر طارق وليم صعب، والذي يشغل منصب النائب العام لجمهورية فنزويلا، مما أضاف بعدًا آخر للتبادل الثقافي بين البلدين.
من المتوقع أن تشهد قاعة مصر في المعرض خلال الأيام القادمة عددًا من الفعاليات واللقاءات الثقافية الإضافية، مما يؤكد استمرارية هذا الزخم الثقافي.
لقد قدّمت هذه الفعاليات مجتمعة مضمونًا فكريًا، وربط بين إرث الماضي وحداثة العصر. هذا التلاقح الفكري يعزز قدرة مصر على تقديم "خميلة" ثقافتها الغنية للعالم بأسره، مؤكدةً بذلك دورها الحضاري الرائد.
يُعد هذا الحضور الأكاديمي والثقافي البارز في أمريكا اللاتينية خطوة محورية نحو تأسيس منصة دائمة وفاعلة للحوار الثقافي البنَّاء بين الحضارات. وتزداد أهمية هذه الخطوة في ظل الاهتمام العالمي المتزايد بـدراسات ما بعد الكولونيالية، وهو مجال تملك فيه مصر رصيدًا فكريًا وتاريخيًا غنيًا يمكن أن يسهم بفاعلية في إثراء هذا النقاش العالمي، ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون الفكري والمعرفي.
زيارات رسمية للجناح المصري
شهد الجناح المصري خلال الأيام الماضية زيارات رفيعة المستوى من مسؤولين فنزويليين بارزين، مما يعكس الأهمية التي توليها فنزويلا للحضور المصري في المعرض. وكان من أبرز الزوار: نائب رئيس الجمهورية، والنائب العام الفنزويلي، والمدعي العام، ووزير الثقافة الفنزويلي.
هذه الزيارات لا تبرز فقط العلاقات الدبلوماسية المتينة، بل تؤكد أيضًا على التقدير الرسمي الفنزويلي للثقافة المصرية وإسهاماتها الحضارية.
أمسية السفارة المصرية... مزيج من الدبلوماسية والاحتفال
نظمت السفارة المصرية في كراكاس أمسيةً بهيجة جمعت بين الدبلوماسية والثقافة، وقد حضرها وزير الخارجية الفنزويلي ولفيف من سفراء دول أمريكا اللاتينية والدول الصديقة والوفد المصري المشارك. تخلل الأمسية عروض ثقافية جذابة، واحتفالٌ خاص بذكرى ثورة 30 يونيو المجيدة، التي تمثل علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث.
جسدت هذه الفعالية بامتياز المزيج الفريد بين البعدين السياسي والثقافي، وهو ما يعكس الهوية المصرية المتكاملة التي تعتبر الثقافة ركنًا أساسيًا من أركان سيادتها وقوتها الناعمة. تُقيمها السفارات المصرية حول العالم بمناسبة الأعياد الوطنية، لتعزيز الروابط الثقافية والدبلوماسية.
الكتب المصرية بالإسبانية والعربية... تنوع ثقافي واستراتيجي
في لفتةٍ ثقافية مهمة، أهدى وزير الثقافة دكتور أحمد هنو، الرئيس نيكولاس مادورو كتابين قيّمين عن الحضارة المصرية باللغة الإسبانية ، كما حرصت الوزارة على توفير مطبوعات متنوعة للأطفال، وكتب متخصصة في علم المصريات، بالإضافة إلى إصدارات تتناول المكونات الدينية في الثقافة المصرية.
هذه المطبوعات تمثل رمزية ثقافية مهمة تضع الإرث والفكر المصري في متناول جمهور القراء الناطقين بالإسبانية والدارسين للغة العربية في أمريكا اللاتينية.
الجناح المصري.. جاذبية بصرية وثقافية
أصبح الجناح المصري نقطة جذب رئيسية، حيث حرص الزوار على التقاط الصور داخل أروقته المزينة بالنقوش والرموز الحضارية.
ونجحت وزارة الثقافة المصرية في أن تعبّر عن ذاتها الثقافية بصورة جامعة من خلال مشاركتها ضيف شرف في معرض كراكاس الدولي للكتاب.
س.ع
أ ش أ